Liberté Toujours!----أحمر

رأينا خطأ يحتمل الصواب... ورأي غيرنا .....زي ما انتو شايفين

صورتي
الاسم:
الموقع: Palestine/World

الأربعاء، يناير 31، 2007

الحلزون وائل يقرر أن يكون حدا مش مع حدا

أغلق الحلزون وائل القوقعة بإحكام وانطوى على نفسه في عملية محاسبة قاسية للذات. في صبيحة هذا اليوم، وهو يوم ربيعي بامتياز، قرر الحلزون وائل الانسحاب إلى داخل قوقعته والبقاء فيها إلى أن يأتيه نبأ عظيم، فجمع من جذائذ العشب والحشرات الصغيرة الميتة ما يكفيه لأشهر، وتأكد من انسياب قطرات الندى عبر تلافيف القوقعة، وأغلق الباب.

هذه المرة لن يفك اعتكافه مهما حصل، سيبقى في قوقعته التي سيسميها منذ اليوم صومعته، ويعيد تقييم كل ما جرى. لن تشتت أفكاره نداءات الرفاق في الخارج، لن يستدرجه وقع الخطى لنظرة قصيرة، ولن تشتت أفكاره تلك الرائحة..... آه تلك الرائحة: كم من مرة قرر الاعتكاف، لتتسرب تلك الرائحة لدى مرور صاحبتها بجانب القوقعة، تدلف مع ذرات الهواء وحبات الندى إلى تلافيف مخه، تشل تفكيره، تكهرب جسده الهلامي، فيجاهد نفسه ألا يخرج، ألا ينظر، ألا ينقطع عن القراءة والتأمل في تعقيدات القضية الحلزونية... ويخسر المعركة ويطل، متأخرا كالعادة، ليجدها قد غابت مخلفة وراءها خيطا لامعا من مخاط الحنين... ليعود بحسرته إلى داخل ذاته، ليبدأ العملية من الأول
كم من مرة غررت به روائح الربيع، وصيحات الرفاق، ليطل برأسه إلى الخارج، فتفاجئه بعض حبات الملح أعدها خصيصا له أحد المازحين، فيسيل ماء وجهه مخاطا أصفر على مدخل القوقعة، قبل أن يعود إلى الداخل ليداوي جراحه

هذه المرة سيقاوم: سيصم أذنيه أمام النداءات، سيقاوم الرائحة باستمناء احترازي، وسيستبق بالقراءة أية إغواء للتورط أو المشاركة في أي شيء: أمامه كتابه الأثير "ما العمل؟" (لينين وليس زياد الرحباني في الأخبار) سيفي بالغرض، وسيندم الرفاق على تجاهلهم لتحذيراته، إنه الآن وحده، واحد أحد، آخر الأبطال في هذا الزمن الرديء، موسى الذي صعد إلى الجبل ليتلقى تعاليم الرب، محمد في غار حراء، الصامد المتربص بانتظار لحظة الحسم التاريخي

تذكر جلستهم الأخيرة قبل القطيعة. لم يتفقوا: جعفر، القابع بقوقعته المطل منها عادة على غصن الوردة يتأمل النحل، يقترح، للمرة الألف، جبهة عريضة مع الحشرات واللافقاريات الأخرى ضد هذه الطيور الشريرة. النحل هو الأقوى تنظيما والأخطر بتكتيكه الانتحاري، بإمكانهم أن يبدأوا الهجوم وأن يجروا الطيور إلى الأرض موفرين بذلك التغطية لجحافل النمل، الرهيب عدديا وتنظيميا أيضا. الصراصير والزواحف الأخرى تتولى الاستطلاع بقرون استشعارها التي تلتقط ذبذبات الهواء، فيما يمكن أن تقوم الجداجد باستدراج الطيور بأصواتها، ليتولى النحل الهجوم.

كان وائل أول من سأل: وما هو دورنا نحن، الحلزونات، في المعركة؟
جعفر: إن دورنا في المعركة قد بدأ الآن فعليا، فنحن المجموعة الوحيدة التي تتمتع بالوعي بظرف الصراع، وبضرورة، بل بحتمية الوحدة، وواجب التحرض والدعاية، والعمل على إنشاء الجبهة، وما علينا الآن إلا إقناع الآخرين...
وائل: فقط؟ وهكذا ببساطة؟
قبل أن يترجم جعفر نظرة التأنيب التي ارتسمت على وجهه إلى جواب، انهالت أسئلة الرفاق:
حسنا لكن كيف ستقنع كل هؤلاء بالمشاركة؟
منير: لكن إذا قضيناعلى الطيور، ألن تتكاثر الحشرات بشكل يحرمنا من الطعام، فهم أسرع منا وصولا إلى الورق
رامي: وكيف تضمن ألا نصبح نحن بدورنا ضحايا للنمل إذا صار هؤلاء يتحركون بأمان؟
ألا تعتقد أن البراغيث لا ترغب بالانتقام منا بعد أن أكلنا صغارها أول أمس؟
أليست الطيور هي أيضا ضحايا لكائنات أخرى هي نفسها التي ترش علينا الملح؟
علا لغط الرفاق، وانسحب وائل إلى قوقعته بهدوء، فيما عاد جعفر غاضبا إلى غصن الوردة، يتأمل النحل


نعم لن يخرج مرة أخرى، هو سعيد هكذا، داخل القوقعة، وسيقمع باستمناء سريع أي رغبة له بالاستجابة لأية أفكار قد تعبر مخيلته، سيبدأ الآن

القوقعة تتحرك، هذا مزاح سخيف من الرفاق، أو كائنات أخرى تلهو، القوقعة ستتحمل


القوقعة تتدحرج، لا بأس، سيواصل الاستمناء


سيواصل... سيواصل... الحرارة ترتفع في الداخل، يواصل، الجدران تقطر بعض الماء، إنها تمطر على ما يبدو، لا خوف، يواصل... الحرارة ترتفع... ما ساخن يدلف من الجدران... يواصل.. لحظة! شيء غريب يحدث: القوقعة تدور بعنف، الجدران ساخنة... اللعنة إنه يختنق!
أطل برأسه طلبا للهواء
لا هواء
أعمت عينه اليسرى قطعة بصل ارتطمت بها وسط الدوامة، في حين زاغ بصر اليمنى ببطء، وهو يرى صاحبة الرائحة، ومنير، ورامي يتطايرون صعودا وهبوطا، ووراؤهم جعفر شاهرا شارة النصر... في الماء الذي يغلي في طنجرة الحساء