!نيكوا قريشا وكلوا في ثقيف
الحاضر القريب
ثلاثة انتخابات وصفت بالتاريخية شهدتها المنطقة العربية الشرقية خلال الأشهر الماضية، وبالتحديد وعلى التوالي في كل من لبنان ومصر والعراق، وبعد يومين سيتابع جمهور التلفزيون أيضا أخبار انتخابات مجلس الحكم الفلسطيني التي أثارت من الزوابع ما لم تثره انتخابات القطر العراقي المحتل. الفترة الزمنية التي جمعت الانتخابات الثلاثة الأولى قد تكون محض مصادفة، ولكنها بامتياز وبوضوح أتت في مرحلة إعادة ترتيب الأوراق أمريكيا في المنطقة لتعيد إنتاج الوضع الراهن بنكهة "ديمقراطية" تعطي الشرعية للأنظمة القائمة أو المقامة التي في النهاية تقوم بوظيفة القائمّقام الأمريكي، وسواء في العراق حيث كان الإقبال على الترشيح وحتى نسبة المشاركة صفعة في وجه قوى المقاومة وشعارها بأن لا انتخابات تحت حراب الاحتلال، أو في مصر حيث تم جرّ تحالف كفاية الهش إلى الحلبة التي يستطيع فيها النظام ليس فقط الفوز، بل أيضا الأقل اختيار المعارضة التي تريحه، أو في لبنان حيث شاركت جميع القوى التي كانت تقسم إلى تقدمية ورجعية شاركت جميعها في إعادة إنتاج النظام الطائفي بقالب أكثر صلابة من قبل. في كل من هذه الأقطار كانت الانتخابات والاشتراك فيها والنتيجة التي وصلت إليها أولا وأخيرا تعبيرا عن عجز النخب والشرائح التقدمية عن تقديم أي بديل سياسي عن النظام القائم واضطرت في النهاية إلى اللجوء إلى ما تسميه التغيير من الداخل أو فضح التزوير عن طريق المشاركة أو غيها من المسميات.
في هذا السياق تأتي في فلسطين المحتلة الحلقة الرابعة من هذا المسلسل الممل، ومرة أخرى تعجز نخب المعارضة عن الإتيان بالبديل السياسي فتدخل اللعبة حيث لا نتيجة سوى التهميش أو التدجين.
في فلسطين ترتكز كل من الفصائل الفلسطينية المشاركة في الانتخابات أي كل الفصائل الفلسطينية باستثناء الجهاد الإسلامي ترتكز على رصيدها النضالي وما تسميه بشرعيتها التاريخية من أجل استقطاب أصوات الناخبين، في انتخابات ما دأبت على تسميته بالحكم الذاتي الهزيل، وبسقف لن يتعدى في النهاية سقف اتفاق أوسلو واستحقاقاته الأمنية، أي أن نخبة بأسرها قد أعلنت إفلاسها وبهذه الطريق الوقحة التي تطالبنا فيها بأن نمنحهم شرعية التقاعد المبكر، لتعيد نفس النخبة بعد أن استنزفتنا في الثورة إنتاج نفسها بسقف يتناسب مع مرحلة الهزيمة.
في مثل هذه المرحلة سينبري أبناء الطبقة الوسطى (المتعلمة قليلا) إلى مناقشة مسألة العلمانية والدين والمجتمع المدني، في حين سينشغل أبناء الطبقة الوسطي (المتعلمة) إلى بحث مسألة الفردية والمجموع وسقوط الأيديولوجيات وأزمة الهوية في عصر العولمة، وسيتبارى أبناء الطبقة الوسطى (المتعلمة جدا) في تحليل مسألة الحداثة وما بعد الحداثة، في حين ستتابع القاعدة العريضة من جمهور التلفزيون الانتخابات وإرهاصاتها، علاوة على مجريات كأس أمم أفريقيا والتحضيرات لكأس العالم، هذا على علاوة على برامج الأطفال من استعراض مفتي الديار عمرو خالد إلى برنامج الطفل الشيخ المعجزة…
الماضي
عملا بنصائح أمي والأصدقاء وبائع الجرائد وجارتنا أم لطفي وغيرهم، لن أحرق دمي كثيرا وسأترك كل لمتابعاته ولنترك المراقبين الدوليين يحصون الأصوات، ولنغوص قليلا في حواديت بغداد العصر العبّاسي، وطبعا لا يطيب المقام ولا يحلو المقال إلا بشاعرنا أبو نواس الحسن بن هانئ
ثلاثة انتخابات وصفت بالتاريخية شهدتها المنطقة العربية الشرقية خلال الأشهر الماضية، وبالتحديد وعلى التوالي في كل من لبنان ومصر والعراق، وبعد يومين سيتابع جمهور التلفزيون أيضا أخبار انتخابات مجلس الحكم الفلسطيني التي أثارت من الزوابع ما لم تثره انتخابات القطر العراقي المحتل. الفترة الزمنية التي جمعت الانتخابات الثلاثة الأولى قد تكون محض مصادفة، ولكنها بامتياز وبوضوح أتت في مرحلة إعادة ترتيب الأوراق أمريكيا في المنطقة لتعيد إنتاج الوضع الراهن بنكهة "ديمقراطية" تعطي الشرعية للأنظمة القائمة أو المقامة التي في النهاية تقوم بوظيفة القائمّقام الأمريكي، وسواء في العراق حيث كان الإقبال على الترشيح وحتى نسبة المشاركة صفعة في وجه قوى المقاومة وشعارها بأن لا انتخابات تحت حراب الاحتلال، أو في مصر حيث تم جرّ تحالف كفاية الهش إلى الحلبة التي يستطيع فيها النظام ليس فقط الفوز، بل أيضا الأقل اختيار المعارضة التي تريحه، أو في لبنان حيث شاركت جميع القوى التي كانت تقسم إلى تقدمية ورجعية شاركت جميعها في إعادة إنتاج النظام الطائفي بقالب أكثر صلابة من قبل. في كل من هذه الأقطار كانت الانتخابات والاشتراك فيها والنتيجة التي وصلت إليها أولا وأخيرا تعبيرا عن عجز النخب والشرائح التقدمية عن تقديم أي بديل سياسي عن النظام القائم واضطرت في النهاية إلى اللجوء إلى ما تسميه التغيير من الداخل أو فضح التزوير عن طريق المشاركة أو غيها من المسميات.
في هذا السياق تأتي في فلسطين المحتلة الحلقة الرابعة من هذا المسلسل الممل، ومرة أخرى تعجز نخب المعارضة عن الإتيان بالبديل السياسي فتدخل اللعبة حيث لا نتيجة سوى التهميش أو التدجين.
في فلسطين ترتكز كل من الفصائل الفلسطينية المشاركة في الانتخابات أي كل الفصائل الفلسطينية باستثناء الجهاد الإسلامي ترتكز على رصيدها النضالي وما تسميه بشرعيتها التاريخية من أجل استقطاب أصوات الناخبين، في انتخابات ما دأبت على تسميته بالحكم الذاتي الهزيل، وبسقف لن يتعدى في النهاية سقف اتفاق أوسلو واستحقاقاته الأمنية، أي أن نخبة بأسرها قد أعلنت إفلاسها وبهذه الطريق الوقحة التي تطالبنا فيها بأن نمنحهم شرعية التقاعد المبكر، لتعيد نفس النخبة بعد أن استنزفتنا في الثورة إنتاج نفسها بسقف يتناسب مع مرحلة الهزيمة.
في مثل هذه المرحلة سينبري أبناء الطبقة الوسطى (المتعلمة قليلا) إلى مناقشة مسألة العلمانية والدين والمجتمع المدني، في حين سينشغل أبناء الطبقة الوسطي (المتعلمة) إلى بحث مسألة الفردية والمجموع وسقوط الأيديولوجيات وأزمة الهوية في عصر العولمة، وسيتبارى أبناء الطبقة الوسطى (المتعلمة جدا) في تحليل مسألة الحداثة وما بعد الحداثة، في حين ستتابع القاعدة العريضة من جمهور التلفزيون الانتخابات وإرهاصاتها، علاوة على مجريات كأس أمم أفريقيا والتحضيرات لكأس العالم، هذا على علاوة على برامج الأطفال من استعراض مفتي الديار عمرو خالد إلى برنامج الطفل الشيخ المعجزة…
الماضي
عملا بنصائح أمي والأصدقاء وبائع الجرائد وجارتنا أم لطفي وغيرهم، لن أحرق دمي كثيرا وسأترك كل لمتابعاته ولنترك المراقبين الدوليين يحصون الأصوات، ولنغوص قليلا في حواديت بغداد العصر العبّاسي، وطبعا لا يطيب المقام ولا يحلو المقال إلا بشاعرنا أبو نواس الحسن بن هانئ
في بغداد العصر العباسي حيث أتم العرب القادمون من الجزيرة مهمة المتح وإرساء دعائم الدولة، صارت المكانة الإدارية للفرس والترك، والمكانة الصناعية والحرفية لليهود والآسيويين، والزراعة والعمل الشاق للعبيد ولأهل السواد من السكان الأصليين، لم يبق للعرب سوى مكانة النسب، فهم في ذلك الوقت التجار وجزء من الشريحة المالكة ومنها الخليفة سليل بني هاشم، ومنهم فقراء القوم أحفاد الفاتحين، وهكذا واجه العرب تفوق الآخرين حضاريا بشرعية الفتح الديني وبالنسب إلى القبائل التي قام عليها الفتح، وعوّض النسب الشريف عند الكثيرين الفقر والخروج التدريجي من الحلبة السياسية. في هذه المرحلة ظهر مجهول النسب أبو نواس، وربطته بأبناء هذه الأوساط علاقة مثيرة للجدل تشبه علاقة الشاعر أحمد فؤاد نجم بالميلياردير ساورس، فكان شعره وثيقة تاريخية عن تحلل النخبة العربية وصورة كاريكاتورية لذوات الشرعيات التاريخية وأبناء "خير نسب"، وهنا نبدأ القراءة.
وحكى عنه بنو نيبخت أنه قال رأيت رجلا من ولد المهلّب، ثم من ولد روح بن حاتم، في خضراء روح، وفوقه غلام يعفجه*، فقلت له: ويحك، أبوك كان يضرب الأعناق ويهب اللهى**، وأنت به على هذا الحال!؟
فما تنحى وما اكترث ولكنه رفع عقيرته وقال:
ورثنا المجد من آباء صدق
أسأنا في ديارهم الصنيعا
إذا النسب الرفيع توارثته
ولاة السوء أوشك أن يضيعا
.........
*يعفجه: ينكحه
**اللهى: جمع لهيّة، وهي العطيّة
*******************************************
وقال أيضا:
نبّئت في آل زياد فتى
يلقّب بالـ"يؤيؤ" حلو ظريف
يبذل للزوّار وجعاءه
صيانة منه لعرض الرغيف
من رأى مثل ما أغالي البيع
إذا ما اتّجرت عند ثقيف
نكت يحيى وأمه وأباه
وأخاه وأخته برغيف
كنت دهرا يدال منّي لقوم
فأدال الإله من ثقيف
وإن في النيك لمستمتعا
عند اعتياض الخبز للمستضيف
وقد أنصف الـ"يؤيؤ" في قوله
نيكوا قريشا وكلوا في ثقيف
.........
المستقبل:
مش عارف
أو كما قال أحدهم: أحّا يا كسّي
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home