Liberté Toujours!----أحمر

رأينا خطأ يحتمل الصواب... ورأي غيرنا .....زي ما انتو شايفين

صورتي
الاسم:
الموقع: Palestine/World

الأربعاء، يوليو 05، 2006

ميسلون


نفض يوسف العظمة الغبار عن بزته العسكرية التركية وصاح بالرجال مستعجلا إياهم في بناء التحصينات. كانت شمس تموز تحرق العشب وتلهب جلود الرجال المهمكين في حفر الخنادق. نظر إلى الثقوب التي بقيت في قمصلته بعد انتزاعه الشارات التركية أثناء الثورة، ثم انتزاعه بعنف أكثر الشارات الهاشمية ليلة أمس عندما قبل الأمير فيصل إنذار الجنرال غورو وانتشر أتباعه يدعون المدينة للالتزام بالهدوء وعدم تعكير صفو الوساطة البريطانية.
تأمل جيشه الصغير. هذا إذن ما بقي من الثورة العربية والحكومة الأولى. خليط من الألوان يضاف إلى المشهد الصيفي: عساكر ببزّات تركية مهترئة، قليل منها يلائم حجم لابسها، متطوعون بثياب مدنية وريفية، قبضايات دمشق يحملون البنادق ولا يتخلّون عن النبابيت، خليط من البنادق البريطانية والألمانية وبضعة مدافع من حطام الجيش التركي، ورايات رباعية الألوان جلبها البدو مع فيصل..
الآن بات واضحا لماذا رفض الحلفاء الإنجليز تزويد فيصل بالمدافع أثناء الثورة على الأتراك، وما زال الأحمق ووالده يناشدهم للوساطة..
كانت الأشياء في بواكيرها، فلم يكن "الانكسار الجميل" و "الهزيمة الشاعرية" قد اخترعا بعد، وكان الانتصار الرمزي أو الأخلاقي لا يزال عفويا ويأتي في السياق وبدون استراتيجيات حداثية، كان العار عارا ولم تكن الخيانة، بعد، وجهة نظر،
ولم تظهر بعد الكلمات السحرية التي تحلل الموقف بالإمبريالية وخيانة الكومبرادوريين وعجز الإقطاع والبورجوازية الناشئة وتبشّر بالحتميات، فأسعفته المخيلة بصورة الحكواتي وهو يلوّح بسيفه ويقرأ وصية كليب التي كتبها بدمه على البلاطة لأخيه الزير سالم:



وأول شرط اخويا لا تصالح
وثاني شرط أخويا لا تصالح

......................


هديت لك هديه يامهلهل عشر أبيات تفهمها الذكاه
أول بيت أقوله أستغفرالله أله العرش لايعبد سواه
وثاني بيت أقول الملك لله بسط الآرض ورفع السماء
وثالث بيت وصي باليتامى واحفظ العهد ولاتنسى سواه
ورابع بيت أقول الله اكبر على الغدار لاتنسى أذاه
وخامس بيت جساس غدرني شوف الجرح يعطيك النباه
وسادس بيت قلت الزير أخي شديد البأس قهار العداه
وسابع بيت سالم كون رجال لآخذ الثار لاتعطي وناه
وثامن بيت بالك لاتخلي لاشيخ كبير ولافتاه
وتاسع بيت بالك لاتصلح وأن صالحت شكوت للاله

وعاشربيت أن خالفت قولي فأنا وياك الى قاضي القضاه
.....



. تصرّف بالأمس كضابط لا يريد أن يخون بزّته مرة أخرى: أمر بإعدام من يدعو للتسليم، وجمع بقايا الجيش والمتطوعين، ومضى غربا عبر شوارع المدينة الخاوية بعد هروب البدو بما خف حمله واختباء السكّان
تصرّف كإبن مدينة يأبى سقوطها دون قتال بعد أن تخلّى عنها من كان بالأمس يتنازع على حكمها ويتبختر بالسلاح، فأودع ماله لدى صديق أوصاه على ابنته الوحيدة، وكوى البدلة العسكرية للمرة الأخيرة،وجمع القبضايات ومضى

تذكر الأغنية التي سمعها أمس تتهكم على فيصل: هاذي دول بدها دول، راعي غنم ما يردّها، فنفض مخيلته بصورة الوزير العطار يلاقي جيش إيزابيلا وحيدا على جسر غرناطة، بعد استسلام أبي عبد الله الصغير

أعلمه مساعده بإتمام تلغيم الممر الجبلي، فأمر الرجال باتخاذ مواقعهم في الخنادق، والانتظار
...
كان يعلم أن فيصل ورجاله يتجهون الآن جنوبا، وعلى الأغلب سيذهب إلى حيفا ليركب البحر
كان يعلم أن تجّار دمشق منهمكون في اختيار من يمثلهم لدى تقديم فروض الطاعة للحاكم الجديد،
كان يعلم أن الألغام فاسدة ولن تنفجر، ولكنه كان أيضا يعلم أن الاعتقاد بفاعليتها هو ما يبقى معظم الجنود في مواقعهم

كان يعلم أنها معركته الاخيرة
يوم جميل للموت، وبعد قليل سيأخذ معه فرقة الشرف ليقابل إله الحرب
لن تسقط المدينة دون قتال
وحده هو واقف، وبداخله الجنرال، ووراؤه دمشق، وامامه... لا لن يفكّر الآن بما أمامه
فقط وراؤه
دمشق، وراؤه
دمشق
فيصل والبدو يشقّون الصحراء جنوبا مخلفين الرايات رباعية الألوان
فرساي
غورو
كرزون
لا لا، دمشق، وراؤه
دمشق
رسل العدو تدعوه إلى الاستسلام بدون شروط وتضمن محاكمة عادلة للمتمردين
دمشق، وراؤه
أقبل جيش "الآخر" بأعلام الـ "حرية إخاء مساواة"، يقوده جنرال أكتع يتحسس بيده الوحيدة صليبه
...
دمشق
وراؤه
دمشق
دمشق
وانفتحت أبواب الجحيم
ولكن وراؤه دمشق التي لن تسقط دون قتال
قبض على سيفه ورفعه عاليا في الهواء، ثم هوى به إلى الأسفل آمرا الجنود بإطلاق النار



5 Comments:

Blogger واحد إفتراضي said...

يلعن ربك ما أجملك!!

5 يوليو 2006 في 2:59 م  
Blogger shady said...

لله درك يا رجل
ما هذه الأجواء البطولية التى نقلتنى لها
تعجز كلماتى المهانة عن وصف هذه العظمة

7 يوليو 2006 في 6:00 ص  
Blogger أحمر said...

شادي: شكرا لزيارتك، وعاش كفاح الشعب العاطل!

إفتراضي: حبيب أللبي

10 يوليو 2006 في 1:40 ص  
Anonymous غير معرف said...

yil3an rabbak ya a7mar...

Youssef il-3adme, al-awwal fi sijil al-botoolaat al-3antariyya fi al-karn al-3ishreen.

Min youmha, kissitna 3ibaara 3an abtaal mitil youssef il-3adme, wu khawane 3arsaat mitil faysal.

Kuss ukht bani Hashem wa7ad wa7ad,

4 فبراير 2007 في 11:57 ص  
Blogger واحد إفتراضي said...

رجعت اليوم قريتها..
ما أجملك

يا خرى، ما أجملك!

30 ديسمبر 2010 في 1:30 ص  

إرسال تعليق

<< Home