بخصوص الانتصار والشعب العنيد
سياسيا، سنتحتفل، وأعني هنا من لا يتقاضى مرتّبه من الدول المانحة عبر المنظمات غير الحكومية أو عبر سلطة رام الله.. غير الحكومية، سنحتفل بالنصر. سنحتفل بهدوء حتى لا نزعج "أعراس" الشهداء، وحتى لا ندوّخ البوصلة.. سنحتفل، نوعا ما، بشيء كالانتصار، وسننتظر.
ليس الأمر كما في لبنان، فهناك قد تعلم اللبنانيون بعد عقود من الحرب الأهلية كيف يقدمون المواجهة والنصر لبنانيا، قبل أن يعودوا إلى صراعاتهم اليومية، فلم يتحفنا جنبلاط أو حتى جعجع أثناء الحرب بالجواهر التي أتحفنا بها خلال المعركة الطيب عبد الرحيم ومحمود عباس، أو نايف حواتمة، مثلا. هناك لزمو ا الصمت، نسبيا.. هنا ما زلنا في بداية الحرب الأهلية، وعلى الجانب الآخر هنا لدينا عينات سبعينية من طراز بشير الجميّل وسعد حداد، وأبو أرز، وجعجع الشاب.. وإذا قررنا الاستمرار بالمقارنة أفسدنا الاحتفال بالنصر، فحرب 1978 على لبنان (اجتياح الليطاني) خرجنا منها "منتصرين" باستمرار إطلاق صواريخ الكاتيوشا (غراد)، رغم الخسائر، والانسحابات.
نعم، انتصرنا، نوعا ما، سياسيا، لأن العدوان لم يحقق الهدف المعلن، أي تحطيم أو خلخلة سيطرة حماس، سلطة المقاومة، على غزّة، أو القضاء على إمكانية إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، وحصل رغم الإجماع الدولي على الصمت على العدوان، على إجماع دولي حول كون ما حصل مجزرة ضد مدنيين..
عسكريا، لم ينجح العدو بإثبات نجاحات عسكرية (باستثناء الضربة الأولى على المجنّدين الجدد)، لكن بالمقابل أيضا لم تنجح المقاومة بتقديم أدلة حول خسائر ألحقتها بالعدو، الذي قرر فجأة التوقف، فانسحب مواصلا القصف، في حين قررت المقاومة الثبات... ووقف القصف.
العدو دخل هذه المعركة أصلا وفي جيبه ورقة وقف إطلاق النار، أي التهدئة، التي رفضتها المقاومة مطالبة بوقف الحصار وبسريانها على الضفة الغربية. أي أن هذه الورقة هي المكسب الأدنى، المضمون عمليا حال عدم تحقيق اختراقات على الأرض. أي أن "تحقيق أهداف العدوان" مرتبط بتوقف إطلاق الصواريخ من غزة، وبدون فتح الحدود وإنهاء الحصار.
بالمقابل، فـ"صمود" المقاومة، وككل أشكال "الصمود" العربية هونوع من الانتصار تعودنا عليه منذ عرفنا انهيارات 1967، جنوب لبنان 1982، الكويت، العراق، وطبعا آخذين بعين الاعتبار فارق كثافة النيران، والقدرة والإعلاموسياسية.
الصمود ليس انتصارا، بل ببساطة صمود، يعني عدم انهيار، يعني بقاء لا يشترط تغيير نوعي في الأهداف والوسائل.
المشكلة هي تعريف نوع الانتصار المطلوب من المقاومة، أو بالذات من حركة حماس. فعلى عكس حزب الله الذي عمل من أجل تحرير الجنوب والـ"مقاومة"، فإن حماس متورطة في برنامج سياسي يرمي إلى تحريرفلسطين، وهذا شيء جميل، لكنه يعني أنه سيكون بمقدور أي طرف المزاودة على أي وقف إطلاق نار توافق عليه حماس، وعلى أي مكسب سياسي مرحلي يتحقق (كفتح حدود غزة مثلا)، فففي غياب البرنامج السياسي، الملم بالتفاصيل تكون أية حركة مقاومة متورطة في الشعار.