الشعب يريد؟
من المؤسف أن نحتاج إلى الكوميديا السوداء التي جرت في مخيم اليرموك يوم السادس من حزيران لكي نراجع موضة العمل (وهذه لا يوازيها مطلقا مصطلح mode of action ) التي بدأ الجميع بالتزمير لها قبيل ذكرى النكبة مستغربا عدم قيام الفلسطينيين بها منذ عام 1948، قبل أن نعود لنتذكر على الحدود هذه الـ "لماذا".
لنراجع مجددا ما جرى: فلسطينيون يتظاهرون في ذكرى النبكة امام الحدود ويطالبون بالعودة، بعضهم يخترق السياج، يستشهد عشرون، ثم يتم تسويق "النصر" أي هذه التظاهرات كنوع من العودة الفعلية، أي وهم عودة في لعبة ذهنية مراوغة تشبه تسويق وهم الخلاص الذي قدمه صلب المسيح ليحل مكان الخلاص الفعلي الذي أجهض بصلب سبارتاكوس... نعود بعدها بأسبوعين، نعيد الكرّة، نفس النتيجة، فنطلق الرصاص على بعض.
في غياب البرنامج السياسي تتحول القيادات السياسية إلى نوع من الإيفنت ماناجر، يعني شركات "صناعة حدث" كما نقرأها في الترجمات الغبية التي تظهر في رام الله، وعندما تتعقد الحقيقة تهرب الجماهير إلى الرمز، وهذه العوامل تلتقي لتبالغ في الرمزيات وتجعل من دم عشرين وشاب سقطوا يوم النكبة تفصيلا صغيرا أمام رمزية الحدث، ويتحول الموضوع إلى مقاولة فتجد من يكتب أننا "قد أنيهنا رمزيا يوم النكبة وسننهي النكسة بنفس الطريقة"...
صناعة الحدث لا تفكر باليوم التالي، صناعة الحدث تعيش لذاتها، تسوّق، تبيع، تقيّم الحدث حسب رد الفعل الإعلامي.
حسنا، حتى صناعة الحدث تدخل في بند الاجتهاد، الارتجال، خيارات قد يراها البعض حمقاء لكنها بكل الأحول طوعية، فهنا التقت تطلعات الجماهير الخام مع محاولات اليسار لاستعادة زمام المبادرة السياسية بعد مصالحة فتح وحماس تحت مظلة أوسلو، ليساق شباب في عمر الورد في الباصات إلى مصطبة الذبح فور توفّر تصاريح الاقتراب من الحدود.
العبثية هي أن تخرج الجماهير في الصباح طوعيا في تظاهرات انتحارية على الحدود، لتعود في المساء حاملة قتلاها لتبصق في وجه من دعى إلى التظاهرات وتقول "ساقونا" وتتهمهم بخدمة أجندات الأنظمة
الكوميديا تبدأ تحديدا مع موضوع السماح بالاقتراب من الحدود، فإذا لم يسمح النظام بالاقتراب، نبدأ بالنواح لكون النظام العميل الموجود أصلا لحماية إسرائيل يمنعنا من الاقتراب من الحدود، أما إذا غض الطرف لأمر في نفس يعقوب فأجندات فاستغلال وتوظيف، كأن الثورة الفلسطينية من بدايتها لم تكن عملية شد وجذب وأجندات وتوظيف.
وهنا أيضا ما علينا، يعني كل اللاعبين (المنظّمون وكل من أنظمة الطوق، إضافة إلى إسرائيل) كل منهم يتصرف وفقا لطبيعته وأولوياته في أجندات قد تلتقي وقد تتعارض....
.كل طرف على حق من وجهة نظره: أهالي شباب خرجوا في الصباح في "شطحة" تظاهرية ليعودوا محمولين وقد تحوّلوا إلى بوسترات سرعان ما تختفي تحت بوسترات جديدة لن يبخل بها سوق الدم الرخيص، هؤلاء من حقهم "فش غلهم" بمن أرسل أولادهم إلى الموت.
من أرسل الشباب إلى الموت أيضا محق من وجهة نظره، فهو تنظيم سياسي يحاول الحفاظ على المبادرة ويحاول فرض واقع جديد، ويريد كالجميع توظيف المكاسب، ويحاول (أيضا كالجميع) التملّص من المسؤوليات عبر قمع المساءلات التي قلّما تطرح في ثورة صار الموت فيها هدفا لذاته وقتل الرمز فيها كل مقاربة للواقع.
أيضا المرافقون وغيرهم من حملة السلاح على حق من منظورهم، فأولا هم مكلفون بحماية القيادات في الأوقات التي لا يقومون فيها بنقل مشتريات المدامات أمهات الثورة، وعقلهم المحدود ونظاراتهم السوداء تزودهم بقدر من التعالي على الناس كاف لإطلاق الطلقات التحذيرية لتهويش الناس. المرافقون، مثلهم مثل الجنود، مثلهم مثل أهل الشهداء، الشبيحة، الأمناء العامّين، سائقي التكسي... إلخ يتصرفون كما تملي طبيعتهم.
الباقي إذا تحصيل حاصل عندما لا يخيف الرصاص جماهير عائدة للتو من الجحيم، ويصبح على حملة البنادق إنقاذ أنفسهم من الموت ضربا بالأحذية. ... هنا تتحول العبثية إلى كوميديا سوداء حين يجد الذين دعوا إلى تظاهرات سلمية على الحدود أنفسهم يطلقون النار على المتظاهرين في المخيم.
من الممكن تصور أن مقاتلي الجبهة الشعبية فعلا قد أطلقوا النار في الهواء، فأخطأوا الهواء وأصابوا الصدور، أما مقاتلي القيادة العامة الذين يمثلون أيضا هيبة الدولة السورية وتحكمهم عقلية عسكرية بحت، فقد صوّبوا إلى الصدور وأصابوا. أحمد جبريل غلطته أنه قد ركز على موضوع النظارات الليلية والسترات الواقية ولم يخطر على باله (وكيف يخطر؟) الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، اما الجبهو الشعبية فغلطتها أنها أصلا لم تركز إلا على النظارات الريبان.
الكوميديا السوداء هي تصور أن تقتل قيادات مثل أحمد جبريل او ماهر الطاهر دوسا بالأقدام وفي تشييع الشهداء، ووسط هتافات "الشعب يريد إسقاط الفصائل".
الكوميديا السوداء سنراها أيضا في دموع التماسيح التي ستذرف في رام الله... في رام الله ستخرج قاذورات التنسيق الأمني وأبطال التعذيب وقحبات الإنجيو في جوقة التباكي على الديمقراطية في سورية وعلى الدم الفلسطيني المسفوك في اليرموك، وسيذهلنا الإجماع على حرق القيادة العامة وشيطنة أحمد جبريل، ولم لا فلن يخسر أحد شيئا في ذبح القيادة العامة وكافة فصائل اليسار الفلسطيني على مذبح مصالجة فتح وحماس
مع ذلك، وبينما ينجلي غبار المعركة: السؤال هو من رمى أول حجر؟ من كان أول من هتف "الشعب يريد إسقاط الفصائل؟"، على ذهن من خطر هتاف "يسقط جيش التحرير"؟، من هاجم سيارات ومباني الجبهات؟ أي عقل يخلط بين ماهر الطاهر وبين القيادة العامة؟ هل كان "الغاضبون" هم فعلا من خرجوا للحدود أو ذووهم؟
والأهم من ذلك: كيف يتحول الفلسطينيون إلى جمع أعمى تحركه "أجندة خارجية" في الصباح لينتقم ممن أخرجه في المساء؟ منذ متى يجمعهم طبل وتفرّقهم عصا؟ أي شعب يتظاهر ضد نفسه؟
.
هذه الجولة أنهت التساؤل الذي طرحناه في التدوينة السابقة حول احتمال أن يكسر الفلسطينيون القاعدة ويقوموا بشيء يكون في نفس الوقت طويل الأمد وغير مدفوع الأجر. الدفع قبل الرفع،أماالاستثناء ... فشيء رهيب!
لنراجع مجددا ما جرى: فلسطينيون يتظاهرون في ذكرى النبكة امام الحدود ويطالبون بالعودة، بعضهم يخترق السياج، يستشهد عشرون، ثم يتم تسويق "النصر" أي هذه التظاهرات كنوع من العودة الفعلية، أي وهم عودة في لعبة ذهنية مراوغة تشبه تسويق وهم الخلاص الذي قدمه صلب المسيح ليحل مكان الخلاص الفعلي الذي أجهض بصلب سبارتاكوس... نعود بعدها بأسبوعين، نعيد الكرّة، نفس النتيجة، فنطلق الرصاص على بعض.
في غياب البرنامج السياسي تتحول القيادات السياسية إلى نوع من الإيفنت ماناجر، يعني شركات "صناعة حدث" كما نقرأها في الترجمات الغبية التي تظهر في رام الله، وعندما تتعقد الحقيقة تهرب الجماهير إلى الرمز، وهذه العوامل تلتقي لتبالغ في الرمزيات وتجعل من دم عشرين وشاب سقطوا يوم النكبة تفصيلا صغيرا أمام رمزية الحدث، ويتحول الموضوع إلى مقاولة فتجد من يكتب أننا "قد أنيهنا رمزيا يوم النكبة وسننهي النكسة بنفس الطريقة"...
صناعة الحدث لا تفكر باليوم التالي، صناعة الحدث تعيش لذاتها، تسوّق، تبيع، تقيّم الحدث حسب رد الفعل الإعلامي.
حسنا، حتى صناعة الحدث تدخل في بند الاجتهاد، الارتجال، خيارات قد يراها البعض حمقاء لكنها بكل الأحول طوعية، فهنا التقت تطلعات الجماهير الخام مع محاولات اليسار لاستعادة زمام المبادرة السياسية بعد مصالحة فتح وحماس تحت مظلة أوسلو، ليساق شباب في عمر الورد في الباصات إلى مصطبة الذبح فور توفّر تصاريح الاقتراب من الحدود.
العبثية هي أن تخرج الجماهير في الصباح طوعيا في تظاهرات انتحارية على الحدود، لتعود في المساء حاملة قتلاها لتبصق في وجه من دعى إلى التظاهرات وتقول "ساقونا" وتتهمهم بخدمة أجندات الأنظمة
الكوميديا تبدأ تحديدا مع موضوع السماح بالاقتراب من الحدود، فإذا لم يسمح النظام بالاقتراب، نبدأ بالنواح لكون النظام العميل الموجود أصلا لحماية إسرائيل يمنعنا من الاقتراب من الحدود، أما إذا غض الطرف لأمر في نفس يعقوب فأجندات فاستغلال وتوظيف، كأن الثورة الفلسطينية من بدايتها لم تكن عملية شد وجذب وأجندات وتوظيف.
وهنا أيضا ما علينا، يعني كل اللاعبين (المنظّمون وكل من أنظمة الطوق، إضافة إلى إسرائيل) كل منهم يتصرف وفقا لطبيعته وأولوياته في أجندات قد تلتقي وقد تتعارض....
.كل طرف على حق من وجهة نظره: أهالي شباب خرجوا في الصباح في "شطحة" تظاهرية ليعودوا محمولين وقد تحوّلوا إلى بوسترات سرعان ما تختفي تحت بوسترات جديدة لن يبخل بها سوق الدم الرخيص، هؤلاء من حقهم "فش غلهم" بمن أرسل أولادهم إلى الموت.
من أرسل الشباب إلى الموت أيضا محق من وجهة نظره، فهو تنظيم سياسي يحاول الحفاظ على المبادرة ويحاول فرض واقع جديد، ويريد كالجميع توظيف المكاسب، ويحاول (أيضا كالجميع) التملّص من المسؤوليات عبر قمع المساءلات التي قلّما تطرح في ثورة صار الموت فيها هدفا لذاته وقتل الرمز فيها كل مقاربة للواقع.
أيضا المرافقون وغيرهم من حملة السلاح على حق من منظورهم، فأولا هم مكلفون بحماية القيادات في الأوقات التي لا يقومون فيها بنقل مشتريات المدامات أمهات الثورة، وعقلهم المحدود ونظاراتهم السوداء تزودهم بقدر من التعالي على الناس كاف لإطلاق الطلقات التحذيرية لتهويش الناس. المرافقون، مثلهم مثل الجنود، مثلهم مثل أهل الشهداء، الشبيحة، الأمناء العامّين، سائقي التكسي... إلخ يتصرفون كما تملي طبيعتهم.
الباقي إذا تحصيل حاصل عندما لا يخيف الرصاص جماهير عائدة للتو من الجحيم، ويصبح على حملة البنادق إنقاذ أنفسهم من الموت ضربا بالأحذية. ... هنا تتحول العبثية إلى كوميديا سوداء حين يجد الذين دعوا إلى تظاهرات سلمية على الحدود أنفسهم يطلقون النار على المتظاهرين في المخيم.
من الممكن تصور أن مقاتلي الجبهة الشعبية فعلا قد أطلقوا النار في الهواء، فأخطأوا الهواء وأصابوا الصدور، أما مقاتلي القيادة العامة الذين يمثلون أيضا هيبة الدولة السورية وتحكمهم عقلية عسكرية بحت، فقد صوّبوا إلى الصدور وأصابوا. أحمد جبريل غلطته أنه قد ركز على موضوع النظارات الليلية والسترات الواقية ولم يخطر على باله (وكيف يخطر؟) الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، اما الجبهو الشعبية فغلطتها أنها أصلا لم تركز إلا على النظارات الريبان.
الكوميديا السوداء هي تصور أن تقتل قيادات مثل أحمد جبريل او ماهر الطاهر دوسا بالأقدام وفي تشييع الشهداء، ووسط هتافات "الشعب يريد إسقاط الفصائل".
الكوميديا السوداء سنراها أيضا في دموع التماسيح التي ستذرف في رام الله... في رام الله ستخرج قاذورات التنسيق الأمني وأبطال التعذيب وقحبات الإنجيو في جوقة التباكي على الديمقراطية في سورية وعلى الدم الفلسطيني المسفوك في اليرموك، وسيذهلنا الإجماع على حرق القيادة العامة وشيطنة أحمد جبريل، ولم لا فلن يخسر أحد شيئا في ذبح القيادة العامة وكافة فصائل اليسار الفلسطيني على مذبح مصالجة فتح وحماس
مع ذلك، وبينما ينجلي غبار المعركة: السؤال هو من رمى أول حجر؟ من كان أول من هتف "الشعب يريد إسقاط الفصائل؟"، على ذهن من خطر هتاف "يسقط جيش التحرير"؟، من هاجم سيارات ومباني الجبهات؟ أي عقل يخلط بين ماهر الطاهر وبين القيادة العامة؟ هل كان "الغاضبون" هم فعلا من خرجوا للحدود أو ذووهم؟
والأهم من ذلك: كيف يتحول الفلسطينيون إلى جمع أعمى تحركه "أجندة خارجية" في الصباح لينتقم ممن أخرجه في المساء؟ منذ متى يجمعهم طبل وتفرّقهم عصا؟ أي شعب يتظاهر ضد نفسه؟
.
هذه الجولة أنهت التساؤل الذي طرحناه في التدوينة السابقة حول احتمال أن يكسر الفلسطينيون القاعدة ويقوموا بشيء يكون في نفس الوقت طويل الأمد وغير مدفوع الأجر. الدفع قبل الرفع،أماالاستثناء ... فشيء رهيب!