دولة وعلم ونشيد، وسايكس، وبيكو، وعبعزيز
"وأرجو أن تغفر لي هذه الخربشة السريعة.... أعتذر بشدة عن الطبيعة العجولة لهذه الرسالة لكنني لم أملك أكثر من خمس وعشرين دقيقة لانجازها، بما فيها الرسوم"
مارك سايكس
مساء الخميس، وليلتنا فلّ، ولابد من ...
كنت في الحكيكة راغبا بالانتقال أخيرا من هذه المواضيع المهترئة إلى موضع أكثر تجريدا، ألا وهو حكاية الحلزون وائل (ترقبوا قرييا في الأسواق)، لكن عبد الباري عطوان وعصابته المأجورة (على رأي إعلام مبارك) مسك اليوم في خناقي وأصر على وصلة إضافية، فبعد أن أنهينا مشكلة النشيد، قفزت إلى الشاشة، مجددا، مشكلة العلم، وبالذات العلم رباعي الألوان آنف الذكر، الذي جلبه البدو مع فيصل، والذي لم يتحقق حلم طفولتنا، آنف الذكر، في الدوران به في جيب عسكري عبر شوارع المدينة المحررة، وطبعا مع أغاني وطنية بصوت عال ونظارات سوداء، وهذه هي الأهم، وإن دار به فيما بعد آخرون، في شوارع المدينة المحكومة...ذاتيا، وبنظارات سوداء لا توحي بالطمأنينية، وبموسيقى هاني شاكر.... أين كنا؟ أجل العلم.
يعني ذات عشية من عام 1917، جلس المرحوم مارك سايكس، بعد نهاية يوم عمل في وزارة الخارجية البريطانية أمضاه في كتابة رسائل وتلغرافات إلى زميله الفرنسي جورج بيكو، وهذا غير المغني جلبرت بيكو صاحب رائعة "نتالي" وأيضا أغنية "من سرق البرتقال؟"، ومع الحاج روتشلد، ومع السيد مكماهون وخليفته وغنتون في القاهرة، وبعد أن تأكد أن كل شيء تمام وجاهز، بقي لديه فقط مسألة هامشية صغيرة حتى تكمل الطبخة، وأيضا نكاية بزميله الفرنسي بيكو ذو العين الفارغة الذي يريد أيضا كركوك لفرنسا، ففكّر: "يعني أكيد الجماعة عندهم شي محضرينه، لكن إحتياط، إذا ما كان عندهم، خليني أرسم لهم علم، بيلزم!"، فاستل قلم الرصاص، ووريقة بيضاء: خلافة تركية نريد إسقاطها، إذا شرعية خلافة عربية: أبيض أموي، أسود عباسي، أخضر لأن المسلمين يحبون هذا اللون ربما لمنبتهم الصحراوي، وأحمر لعيون شريف مكة، و...... هوووووووووووب! صار علم! وطبعا لحق يروّح بدري لأن الدنيا حرب والحكومة لا تدفع أوفرتايم، وتبين أنه خيرا فعل لأن الجماعة لم يحضّروا أي شيء.
لم يترك عوني الجيوسي في مقاله مجالا للتعليق، فقد قال تقريبا كل شيء، لذلك أضيف فقط بعض الرتوش، وعليه،
وبهذه المناسبة السارة، فأنا أقترح، وفور قيام الدولة الفلسطينية المؤقتة، وعاصمتها أبو ديس القدس الشريف (تصفيق حاد)، ضم الدولة، مؤقتا، إلى الكومنولث، وإصدار طابع بريد تذكاري اعترافا بفضل المرحوم، لأنه ليس فقط الأب البيولوجي لعلمنا إبن الحرام مصاص الدماء، بل أيضا وأصلا الأب الروحي للهوية الفلسطينية الحديثة، وعاصمتها القدس الشريف (تصفيق حاد)، بحدودها وخريطتها التي تصلح حاملة مفاتيح تصلح بدورها لفتح علب الكوكاكولا، وبهويتها الكنعانية التي تتميز بوضوح فتحاوي ساطع عن الهويات الشريرة الأخرى المحيطة بنا، من فينيئيين وأنباط وبدو مقملين ومصريين فراعنة وسوريين.
الفاتحة على روح المرحوم سايكس، وختاما، وكما عودناكم، دبكة لفرقة.... خيبر (!) للفلكلور الفلسطيني، مع نشيد: والله وشفتك يا علمي، زينة رايات الأمم ِ.
وعلى ذكر الفينيئيين، ولأننا ظلمنا الزميل بيكو، الموكل بشؤون سوريا (النصف الشمالي كله، آنذاك)، وبما أنني ما زلت هنا صاحي ولم أنخمد بعد، فلنعرّج قليلا، شو ورانا؟
تتواصل لعبة الشطرنج اللبنانية، وهاهي تتخذ منحى جديدا، بعد أن اكتشف مشجعوا فريق 8 آذار الذين غمرهم تفاؤل مفهوم بعد حركات الافتتاحية التي أعطتهم اعتقادا بأن اللعبة قد حسمت، اكتشفوا فجأة أن الخصم، فريق 14 شباط (الفالنتين)، أيضا لديه قطع مشابهة، وأنه أيضا قادر على تحريكها (يا خبر!)، لكسب الوقت على الأقل، خاصة بعد أن أعطاه لاعب فريق 8 آذار، بلفتة فروسية، وقتا إضافيا لتبييت الملك.
وآآآآآآآآآآآآآآآآه، كش ملك، لعبها إبن الستّين فالنتين مسنودا بكل برامج كمبيوتر مخابرات العالم، وديب بلوو. كش ملك!
فريقنا ما زال عنده لعب، لكن ملكهم مبيّت ولم يعد في الوسط، القطع التي كانت جاهزة للهجوم يجب الآن سحبها إلى الخلف، ثم يسارا، لمهاجمة موقع الملك الجديد.
الخصم سيكسب بذلك بعض الوقت، لكن قطعه على الرقعة تعيق بعضها ووضعها ما زال رقيعا، ويحتاج لوقت أكثر لكي يرتبها، خاصة مع كثرة واختلاف من "يغششه" من أدمغة وأجهزة، وكون أستراتيجيته مبنية أصلا على التضحية المجانية بالقطع التي لا تتحرك كما يجب.... وشراء البيادق
طيب بسيطة ، نغطي ملكنا، ليست مشكلة، المهم أن لا يتحول الأمرإلى كش ملك مستمرّ
لاعبنا واثق وهادئ، ولم يحرك بعد كل ما لديه، وقد أثبت لاعبنا حتى الآن، أنه كان دوما...... هنا يأتي صوت سامي كلارك في تلك الحلقة الدرامية من غريندايزر والتي انحفرت هي بالذات في أذهان جيل بكامله (يعني هي إللي عملت الإنتفاضة الأولى، عشان نكون واضحين، أموت في فرويد أنا)، حيث انتهت هذه الحلقة بالغوريلا العملاق وهو ينتزع ذراع غريندايزر (ياللهول!)، وطبعا تركيز على غريندايزر مقطوع الذراع ثم دوق فليد في داخله ينظر برعب، موسيقى درامية، ثم سامي كلارك: "لقد أثبت غريندايزر حتى الآن..... فهل يا ترى ......؟"، قمة الإثارة، وعتبكم على من تمكن من النوم في تلك الليلة، ولكن نطمئن الأجيال الشابة أن غريدندايزر في الحلقة التالية انتصر بصعوبة على الغوريلا، بعد أن اختلف من كانوا يوجهونها بالتحكم عن بعد، وصارت تدور حول نفسها، ومرّت القصة على خير.
ملاحظة عالماشي: على الطاولة المجاورة تتواصل لعبة التركس الفلسطينية بعد أن ترك اللاعب الإسرائيلي طاولة الشطرنج وعاد بعد ما تبهدل، والمملكة الآن لفتح:
شتائم، كسكسات، إستغفار، و.......... عيار ناري! و"أييييييي يفضح عرضك!"،
وصوت لم يتبين بعد صاحبه: "يا حلاوتك يا عبعزيز!"