فلكلور فلسطيني: نظيرة والقوم الجبّارين
طبعا من الممكن البدء بالقصة، وهي قصة حقيقية ومعروفة في مدينتنا، من أولها أو أن نجيب الكلام من الآخر، لكن عملا بالتقاليد الأدبية الداعية إلى زيادة عنصر التشويق وخلق الجو المناسب للقصة، واقتراح خلفية موسيقية شاعرية تهيئها لتصبح حلقة في مسلسل من إنتاج تلفزيون فلسطين الوطني (يرمز له بالمختصر : تفو) وهو مؤسسة فلسطينية سيادية تخضع مباشرة للرئيس كما في أي دولة محترمة في العالم على عكس الدول السايبة التي تسمح لوزير الإعلام بالبعبصة في هذه المؤسسات السيادية، أو من إنتاج أي مخرج حر يعيش على الدعم الأوروبي وهذه أفضل حتى تذيعها قناة آرتيه المناضلة، التي لا تخضع مباشرة للرئيس وتتلقى تعليماتها مباشرة من... وين كنّا؟ أجل، ما زلنا نبحث عن مقدمة أدبية للقصة
طيب: مثلا: رشف أبو محمود آخر قطرة من كوب الشاي الذي كان قد نسيه لهنيهة (كيف هاي هنيهة؟) وهو يراقب الملثمين، وأخذ نفسا عميقا من النارجيلة التي لا تفارق مقعده أمام دكانه في البلدة القديمة.
يعني لاحظ هنا: أولا الرجل بقّال، وهذا يدل عليه من البداية كون الرجل إسمه أبو محمود، وواضح أنه يراقب الأحداث يوميا من مكانه في البقالة، وطبعا الجو صار جاهزا: البلدة القديمة، وملثمين!
لم ترق له على مايبدو ملاحظتي حول المعركة الدائرة بين الطرفين، وكيف بدأت، واستند على عكازه ونهض بساقه الوحيدة متوجها بتثاقل إلى المغسلة خلف الرفوف، وعاد بعد أن وضع الإبريق مجددا على نار "البابور" الكيروسيني...
هاهااا يعني الرجل رجله مقطوعة، هذا يعطي الموقف بعدا دراماتيكيا ويجعل منه رجلا صاحب تجربة تؤهّله لرواية القصة، التثاقل يشير إلى كبر سنّه، لا، هنا يجب أن أقول له شيئا يبدأ بـ "عم محمود"، لأني نسيت أن أبدأ القصة بـ "رشف العم مجمود" مثلا. بعدين شو هاي "رشف"، من وين جاية هاي؟
قلت له باستفزاز بعد أن أثارت لامبالاته بالاشتباك الحاصل بين التنظيمين فضولي لمعرفة إلى أي جانب يقف هو، أبو محمود، المتديّن، الناصري العتيق
ناصري وعتيق، يعني حسمنا مسالة السنّ، وعرفنا إنه لا إخوان، ولا فتحاوي، ورأيه أصلا حلو نعرفه يعني
يعني قلت له: عموما كله من ولاد العرص هدولاك، يعني كان لازم يوزعوا البيان ويطولوا لسانهم هيك؟ هم اللي استفزّوهم
بيان؟ يعني مقدمة القصة نفسها يبدو أنها قديمة، يعني من أيام ما كان فيه بيانات بتتوزّع وناس بتعرف تقرأ، يعني قبل ما تصير الناس تتطلع على الصور في الإنترنت، وعشان نخلص ونوصل للقصة، أكيد أبو محمود "سحب نفسا آخر من النارجيلة، ثم ذهب، أيضا بتثاقل لجلب الإبريق، وطبعا "صب الشاي، ثم حك ساقه المتبقية، ثم نظر إليّ بشفقة، وقال": (أففففف، خلصنا من المقدمة)
يعني يا إبني إنتو من أيام الستة وتلاتين إنتو، ما تغيرتو
أيام الستة وتلاتين، كان الثوار عالجبل، والبلد مليانة إنجليز كاتمين على نفسنا
نزل أبو مروان ووراه تلاتين زلمة مسلحين وملتّمين وعملّك فيهم إستعراض بالبلد، يعني ألله سترهم ما راحوا فيها، وقدّام باب الساحة خود يا ضرب رصاص. بعدين سحبهم طابور ومشيوا تا وصلوا تحت شباك بيت في حارة اللولو. هناك طلع أبو مروان فكّ اللتام، وقعد ينادي عا مرتو: نظيرة... نظيرة! طلّت نظيرة من الشباك زي المصروعة، ولاّ هو بيقوللها: نظيرة، شوفيني قايدهم!
وإنتو ألله وكيلك هادا يوم وهداك يوم، بعدكم على هالمنوال ما تغيّر فيكم شي. روحوا ألله يلعن.... لا حول ولا قوة إلا بالله"
وطبعا أبو محمود سيشرب كوب الشاي وسيواصل تدخين النارجيلة، وأنا أيضا سأشرب الشاي، وأنخمّ*
*"أنخمّ" هو تعبير فلسطيني بمعنى "أخرس" أو أسكت خجلا
عموما هذه القصة تدخل تحت بند "ما يطلبه المستمعون"